اللهم إنى عاطل . !

” الساخر كوم ”




ملايين الوظائف تسقط كل يوم من أفواه المسؤولين مع كل طلة بهية لحكومة جديدة ..
للدرجة التى يصعب علينا وعلى جموع المواطنين متابعتها والتغني بدلالتها الإحصائية !
وكأنه الثمن الذي لابد وأن يدفعه السادة المسؤولون من رصيدهم اللغوي كى تتم لهم البيعة ..
ويحظوا بشئ ولو يسير من ثقة المواطن الوفي .. ذلك المستهلك الحصري لوعود الحكومة !
وهو أيضاً -وللمصادفة- الجهة المخولة بتصديق وعود كل حكومة “جديدة” في قدرتها على إصلاح ما أفسدته “القديمة” !
وكأنها اجراءات بروتوكولية لا غرض لها إلا التربح المعنوى من حمورية المستهلكين !
والتلذذ بمعاناة الكائنات التي ترعى فى مراعي الحكومة وتسهر على خدمة الوطن بالسهر والحمى !
وربما للترويح عن سكان الصفيح وإدخال السرور على بعض الجائعين المترفين
الذين تحسبهم الحكومة أغنياءَ من التعفف !

ولا أحد يريد أن يعترف :
أن القادمين سيصلحون .. لأن الذين قبلهم كانوا يخربون .. حين حكموا وهم لا يعلمون !
أو أن المصلحين القادمين سيخربون في أماكن أخرى لم تمسها أياد السابقين وحفظتها عناية الله حتى حين !
أو أن الخروم الكثيرة فى وطننا العزيز اتسعت على رقعة السابقين فباعوا الرقعة وسددوا منها بقية أقساط اليخت والقصر الريفيراوي !

فقط تباع الكلمة على أنها “إصلاح” وحسب .. “تحسين” وكفى .. “تهجيص” وفولستوب !
إصلاح لشئ ألقته رياح المريخ على بلادنا فأصابها بالعجز والتخلف والقصور فى مختلف الخدمات !
رياح جعلت الوظائف مجرد “وعد” حنجري تتوراثه الحكومات كمسؤولية ثقيلة يجب تأديتها بلاغياً !
أو ربما يقدمونه كـ “تنورة” اسكتلندية ضيقة .. قصيرة لا تكاد تستر عورة الوطن ..
وحديث ناعم يتحسر على غوغائية التوازن بين : المطلوب والمطروح فى ثقافة السوق المفتوح !
فلا زالت الحكومات تشبه “المجلس” فى البيت .. جلسة خلا فى البر ..
مكان تصنع فيه السوالف .. وتخلق فيه الشائعات عن شخص غامض يسمى “تحسين الأوضاع” !
وتجمع متحضر للبنغال المؤدلجين خدمياً .. يصبون الشاهي والقهوة على الحاضرين !
فالإختيار لازال معياره الأوحد : حب الله ورسوله .. بعد حكمة الوالي !

بعضهم لا يعلم لماذا تم اختياره لشغل منصب حكومي من قبل البطانة إلا بعد أن يتحول بقبلته إلى الشارع ..
فيعلم حينها أن اختياره جاء للتقفيل على اختيار شخصٍ آخر كان يكرهه شخصٌ آخر غير الآخر الأول !
وبعضهم نسى أنه يعمل لدى الحكومة الحالية بعد أن لسعه “ألزهايمار” ولازال يردد ولاءه لحاكم متقاعد فى القبر منذ عشرين عاماً !
وبعضهم تكلست تعابير وجهه فلم نعد ندري هل هو يضحك أم يبكي حين يزف إلينا بشرى البطالة !

الذي أوقن به أن المواطنين يحتاجون لهذه المنحة المجانية احتفالاً بتدشين كل حكومة جديدة فى بحر تخبطنا !
حين لم نفلح فى إستدرار دراهم الحكومة وحلب حقوقنا من ضرعها الثمين .. صرنا نمص وعودها وأرجلنا فى الترعة !
فلم تخطئنا حين منعتنا .. ولم تفتقدنا حيث أمرتنا .. ولم يبق لنا إلا سحنتنا وصوت لعابنا تغرق فيه الوعود !

الذي فعلته الحكومة انها وفرت ملايين الوظائف على مدار السنين لمنصب محترم دائم يسمى “عاطل” !
فلقب “عاطل” في حد ذاته وظيفة مرموقة لها جاذبية خاصة !
تخيل أن يسألك أحدهم : ماذا تعمل .. فترد عليه : عاطل .. فتحصل على إبتسامة رثاء مجانية !!
فهو منصب يعطيك إحساساً بالتعالي والترفع عن العمل حين تضطرك الظروف لتأكل به خبزاً !
لذا شهد العربي الأول بحماقة التي تتصدق من وظيفة الزنى وقال لها لا تسوى هيك ولا هيك !
ولكن توبي إلى الله وكوني عاطل !

كما أن لهذه الشغلانة سلم وظيفي خاص ها .. وأقدمية قد تؤهلها لترقي مراتب الوجاهة الإجتماعية ..!
فهذا عاطل حديث التخرج مازال حذائه محتفظاً بنعله الأصلي ولمعة المصنع المتوهجة
وذاك عاطل محترف أصاب من الوظائف خيرها وشرها فلم يسعه إلا حجر أمه .. !
وبينهما عاطل مبتدئ .. وعاطل على ذمة التحقيق .. وعاطل يبحث عن مخرج .. وعاطل مفكر .. ألخ
ثم إن لهذه الوظيفة مكاتب .. إي والله !
يعمل فيها موظف حكومي يقنعك بضرورة الإحتفاظ بمنصبك الحالي ويحذرك مخاطر التهور فى علاقة وظيفية جديدة لا تدري عقباها !
المشكلة الوحيدة في هذه الوظيفة أنها بدون راتب !
وهذه من أوجه القصور التى تعمل الحكومة الجديدة .. كل حكومة جديدة .. على تداركها فيما بعد بمراجعة شاملة !
فالمهم أن الوظائف توفرت .. ولا يستطيع أى أحد أن يدعي بعد ذلك أنه خال شغل !

والدليل على أن وظيفة عاطل ليست سيئة فى ذاتها ..
أن الكثيرين من الناس تأتيهم هذه الوظيفة كمنحة بطانة لا تقبل الرد .. أو مكرمة ملكية !
فيمارسون نفس الوظيفة تحت مسمى وظيفي مختلف .. أحياناً : وزير مسؤول عن شغل فراغ ما !
وأحايين كثيرة تحت مسمى بدل “بطانة” .. أو بدل “تعارف” بين طبقات المجتمع الخالية من التراب !
يمارسون فيها مهمة تسلية الوالى والضحك على نكاته وتغيير الـ “أمبيانس” الخاص بمجلس الحكم !
يتمتعون بأفق ثقافي عريض يمكنهم من التجاوب مع السالفة التي يبدأها أحدهم على شكل “أضف موضوع جديد” !
حتى أن أحد الوزراء حين عمل كنادل في أحد محلات الطعام لمدة دقائق أمام الكاميرا شعر بالفارق !
بين فراغه الوظيفي .. ووظيفة الفراغ التى يروج لها تلفزيونياً !
والدليل على ذلك .. ومن مصدر مطلع :
أن إدارة المطعم حين عرضت على الوزير وظيفة دائمة بعد أن أعجبتهم طريقته “السهلة” فى التقديم
رفض وأصر على إتاحة الفرصة لغيره من الشباب ..
كنوع من الإيثار الإيجابي لوزير يشعر بالمسؤولية !

ثم إن الحكومات قد وجدت ضالتها وملاذها في منحى آخر يراد له أن يصبح سلوقان ..
ويُستهلك إعلامياً على نحو باهر كما أُستهلك الذين من قبله من السلوقانات !
مفاده أن التقصير من العواطلية ، وانهم كسالى متخلفون .. لا “يقتحمون” السوق ولا يصبرون على خوازيقه !
والمستهلك لازال على عينه راضي .. ويشتري بعقله رذاذ الميكروفون !

والحقيقة أن الشباب توارث الإحباط بعد أن صارت كل مؤهلاته فى الدنيا تؤدي به حتماً إلى .. مطعم الوزير !
فالتخصصات المهنية ليست موزعة في شكل وظائف شاغرة .. بل في شكل وظائف منتهية بالتمليك !
فثقافة السوق لا تصلح لمجتمعات مبنية من الأساس على ثقافة تغييب المواطنين ونزع ملكية العقول !
وحين يكون السوق مفتوحاً للعرض والطلب فلابد من توازن مماثل في حرية المجتمع
لـ “عرض” الواجبات و”طلب” الحقوق !!

نحن لا نملك نظاماً يكون الترقي فيه للأصلح .. ولا حتى للأوسخ ..
بل النظام المقرر أن الترقي -فقط- للأكثر قبولاً .. ولابن المحظوظة صاحب أوسع وجه !
فلا عجب أن تكذب الحكومات وتمنح المواطنين ملايين الوظائف الصوتية بمرتب خيالي يفوق الصفر ..
ولا غضاضة فى أن يتحول العاطل إلى باشعاطل .. وامعاناً فى الإحتراف قد يورث “الصنعة” لأحفاده !
تماماً كما يفعل أصحاب الوطن مع أحفادهم العاطلين بالوراثة :
يورثونهم الأوطان على أنهم “صنعة” أجدادهم !

مفروس

الفارس مفروس

Archived By: Crazy SEO .

Comments

Popular posts from this blog

مهيصة الفلوجة أوشكت على الإنتهاء !

تخاريف واقعية